ان الحديث عن المشكلات السلوكية للأطفال يكاد يكون القاسم المشترك في أي جلسه أو اجتماع للأمهات حيث تقف الأم حائرة اتجاه سلوكيات صغيرها وبمجرد أن تعرف أي أم أنك متخصص في مرحلة الطفولة، حتى تنهال عليك الأسئلة وتسهب كل أم في سرد ووصف سلوكيات أطفالها. والقاسم المشترك بين المشكلات جميعها العبارات التالية: كيف أتصرف اتجاه هذه المشكلة ؟ أو ما الحل ؟ أو لماذا يفعل طفلي هذا ؟
أن تحديد المشكلة هو بداية الطريق لحلها، والتعرف على أسبابها هو نصف الحل. فإذا ما أرادت أي أم حل مشكلة من مشاكل أطفالها فلتبدأ بمعرفة الأسباب في وجود هذه المشكلة. ومن المشكلات التي تتردد على مسامعي من الأمهات مشكلة العناد ولو حاولنا أن نتعرف على الأسباب الكامنة وراء هذه المشكلة فأننا نستطيع معالجتها عند صغارنا .
هنالك أسباب ودوافع متعددة تجعل الطفل عنيدا منها :
الإهمال و الحرمان: يؤدي إهمال الوالدين لشؤون طفلهم إلى أن يتحول بالتدريج إلى شخص معاند وكثير الإلحاح .كما أن الحرمان بكل أشكاله يخلق حالات العناد وخاصة الحرمان من حنان الأمومة وهو ما يحتمل أن يؤدي في بعض الحالات الى تكوين ميول عدوانية.
تشتد حالة العناد حينما يدرك الطفل أنه قادر من خلالها على تحقيق مطالبه، وكذا الحال عند حرمان الطفل من التحرك وتقييد حريته. كما ان عدم توفير الاحتياجات الضرورية والأساسية تدفع بالطفل إلى العناد. فالطفل الذي يعاني من التعب الشديد يشعر بحاجة ملحّة للاستراحة، ومن يشعر بالجوع يحتاج للطعام، وفي مثل هذه الأوضاع يعبر الطفل ـ وخاصة الصغير ـ عن حاجته بالعناد ويبرز عناد الطفل أحياناً بالاستعجال وفقدان الصبر. فالطفل عجول وليس له من الصبر ما لدى الآخرين إلى أن يحقق هدفه.
حينما يكون الطفل جائعاً ولا يرى من أمه أي استعجال في إعداد طعامه، أو قد يتطلب إعداد الطعام وقتاً طويلاً، فانه في مثل هذا الموقف يفقد الطفل صبره ويأخذ بالبكاء والصراخ. وإذا تكرر مثل هذا الموقف يتخذ اعتراضه وعناده صورة أكثر جدية.
ـ استبداد الوالدين: في بعض الحالات يتهرب الطفل من والديه إذا كانا يتصفان بالاستبداد وربما يكون على استعداد للمجازفة من أجل التخلص من هذا الوضع الذي يتعارض واستقلاليته، لذلك ينتهج أسلوب العناد للتخلص منه.
ـ القدوة والنماذج السيئة: يتعلم الطفل من والديه في بعض المواقف ان المصاعب والمشاكل تحل عن طريق القوة و في كثير من الحالات يعمد الطفل إلى اختبار الأب والأم فيتبع أسلوب البكاء والعناد لتحقيق مطالبه، ويفهم من خلال ذلك امكانيه الحصول على مراده بهذا الأسلوب.
ـ الفشل المتكرر : الطفل الذي يتعرض إلى إخفاقات متعددة ومتوالية ولا يستطيع إحراز أي نجاح في حياته، يتجه تدريجياً نحو سوء السلوك وسوء الخلق. فالفشل في اللعب وفي جلب اهتمام الوالدين، وفي تكوين الصداقات مع الأقران يؤدي الى العناد.
ـ الاضطرابات العصبية: تشكل الاختلالات والأمراض العصبية سبباً من أسباب ظهور هذه الصفة. نحن نعرف بعض الأطفال الذين يعانون من الأمراض العصبية حتى ان حالات العراك والعناد لديهم تتخذ طابعاً عصبياً معقداً، وهم في صراع دائم مع كل شيء. ويتصفون بشدة الغضب والاضطراب، وتحدوهم رغبة عارمة في تحقيق مطالبهم عن طريق البكاء والعناد.
ـ الضغط النفسي : في بعض الحالات يضغط الطفل على نفسه من أجل أن يكون طفلاً جيداً أمام والديه، وهذا الضغط على الذات يؤدي بشكل طبيعي إلى التعب والملل والضجر وتتمخض عنه رغبة في العناد وإثارة الصخب. قد يستطيع الطفل التزام الصمت والهدوء ليوم أو يومين ولكن حينما ينفد صبره يذيق والديه من العناد والأذى عذاباً مضاعفاً.
ـ اظهار القدرة على المجابهة: يبدي الطفل أحياناً العناد والإلحاح ليظهر بذلك قدرته على التصدي والمجابهة. فالطفل حينما يطلب من أبيه أو من أمه شيئاً ولا يعيرانه اهتماماً يلجأ إلى أسلوب البكاء، فينال منهما العقاب ولكنه لا يهدأ ويواصل البكاء والعزوف عن الطعام حتى يضطرهما في نهاية الأمر للخضوع لمطالبه. وهذه التجربة تشجعه على معاودة هذا السلوك في المرات القادمة.
ـ الحالة الصحية للطفل : الطفل الذي يعاني من الأمراض المتوالية بحاجة للمزيد من الرعاية والاهتمام والملاطفة. فكثرة الأمراض تكسبه مظاهر العناد إلى أن تصير هذه الخصلة جزءاً طبيعياً من حياته.. مثل هذا الطفل يواصل هذا السلوك حتى في حالة الصحة والسلامة .